أسباب التحول الديمقراطي في الجزائر:
لم يكن التحول الديمقراطي الذي شهدته الجزائر منذ شباط/ فبراير 1989، تحولا ً طبيعيا ً او نتاجا ً لأداء النظام السياسي الجزائري في ترقية العلاقة بينه وبين المجتمع، وانما تقف وراء ذلك التحول الكثير من الاسباب اهمها:
اولا ً: ضعف استجابة النظام السياسي للمطالب المجتمعية اقتصادياً وسياسياً:
1-الازمة الاقتصادية:
شهدت الجزائر منذ النصف الثاني من ثمانينات القرن العشرين تدهوراً اقتصاديا ً واضحا ًوهو ما كشفت عنه بوضوح مؤشرات النشاط الاقتصادي في الجزائر. وتمثلت ابرز مظاهرها في :
ا- تراجع الناتج القومي. المعبر عنه في الجدول التالي:
الملاحظ ان الناتج القومي انخفض خلال سنة واحدة (1988) بمعدل 15% وفي المدة نفسهـــا تراجع فيهـا الناتـج القـومي الاجمـالي، في حين كــان معــدل النمـو السكاني يصل الى 3% الأمر الذي يؤشـر حالـة التدهــــور في تلبيـــة احتياجـات المواطنين.
ب- العجز في ميزان الحساب الجاري، فبعد ان حقـق فائضـاً بلـــــغ (1014) مليــــون دولار في سنة 1985. سجــــل عجزاً في السنة التالية بلغ (2230) مليون دولار وقد انخفض العجز الى (772) مليــــون دولار في 1988، ولكــن بتكلفــــة اقتصـــــادية واجتماعية لايمكن الا ان تكون شديدة الارتفاع. لقد تحقق هذا الأنخفاض مثلا ً على حساب الواردات التي ضغطت بشكل مستمر خلال الثمانينات، فبعد ان كانت قيمتها (15,367) مليون دولار في سنــة 1986
و (10,116) مليون دولار في سنة 1987 و (9,637) مليون دولار فقط سنة 1988 (1). نتج عن ذلك، وصول نسبة الانكمــــاش في الــــــواردات بين 1986 و 1988 الى (18,48) ويعـــــود ســـــبب ذلك الى
-انخفاض قيمة الصادرات الجزائرية من المحروقات، فضــــلاً عن التـدني في اسعـار المحروقـــــات كمــــا مبين في الجدول الاتي:
قيمة الصادرات الجزائرية من المحروقات للفترة من 1986الى 1988
(القيمة مليون دولار أمريكي)
نتج عن ذلك الانخفاض عجزٌ في تلبية المطالب الاجتماعية المتصاعدة باستمرار جراء الزيادة السكانية ومن جراء الآلة الانتاجية المفككة التي أصبحت عاجزة عن استقبال عمالة جديدة لدرجة انه بدأ التفكير جدياً في تسريح العمال (2).
- خدمة المديونية الخارجية وارتفاعها: لقد قدرت قيمة المديونية الخارجية طويلة الأجل في سنة 1988 حوالي (23,229) مليون دولار أمريكي. أي بنسبة (44,5 %) من الناتج القومي الاجمالي ، ووصلت خدمتها الى (6,343) مليون دولار. اي بنسبة(72,3%) من حصيلة الصادرات والسلع والخدمات.
وكان من الطبيعي ان يؤدي الانكماش في الواردات في السلع الغذائية الى تباطؤ في النشاط الاقتصادي. مثال ذلك انه في الربع الثالث من سنة 1989 كان المخزون من مستلزمات الانتاج قد نفد في (60%) من المنشآت الصناعية وان 41% من الطاقة الانتاجية للقطاع الخاص كان مستخدماً بنسبة تقل عن 50% وكان طبيعياً ان ينعكس هذا الوضع على تلبية الاحتياجات الاساسية للمواطن(3).
وضاعف من حدة المشكلات الاقتصاديةوالاجتماعية وخطورتها مجموعة من العوامل اهمها:
- ارتفاع معدل الزيادة السكانية في الجزائر، الذي يصل الى 3% ويعد من اعلى المعدلات في العالم . ترتب على ذلك ان نحو 60% من السكان اعمارهم دون سن العشرين. وهو ما يلقي اعباءً ثقيلةً فيما يتعلق بخدمات التعليم والصحة والاسكان والصرف الصحي... وتوفير فرص عمل حقيقية لتلك الاجيال الناشئة حفاظاً على الامن الاجتماعي والاستقرار الحياتي. وفي مثل هذه الحالة فأن هؤلاء الشباب مستعدون للأنخراط في اعمال عدائية ضد النظام السياسي.
- استشراء الفساد في بعض القطاعات الحكومية واضراره بالمصلحة العامة وبالاقتصاد الوطني الجزائري. وتمثلت احدى اهم مظاهر الفساد في قطاع البترول والغاز. واتهم “ سيد احمد غزالي” وزير البترول الجزائري الاسبق “ بلقاسم بن نبي” والمسؤولين عن قطاع النفط والغاز بالاضرار بالاقتصاد الوطني والحصول على رشاوى تبلغ عدة مليارات من الدولارات. (4)
ويبدو ان وطأة الآثار الناجمة عن تدهور الوضع الاقتصادي واعبائه على النظام السياسي الجزائري. قد بدا واضحاً عندما اقر الرئيس الجزائري الاسبق “ الشاذلي بن جديد” في بيان متلفز توجه به الى المواطنين يوم العاشر من تشرين الاول / اكتوبر 1988 (اي بعد احداث 5 تشرين الاول/ اكتوبر من العام نفسه) بالمصاعب الاقتصادية التي واجهتها الجزائر في الاعوام الاخيرة، وذكر بهبوط اسعار المحروقات وبالجفاف وبعبء المديونية الخارجية. (5) ومعها اضيف عنصر آخر لازمة النظام السياسي متمثلة بازمة العلاقة بين النظام السياسي والاجتماعي.
2- ازمة المشاركة السياسية:
شهدت الجزائر ازمة المشاركة السياسية. وتصبح المشاركة السياسية ازمة من ازمات التنمية السياسية” عندما تأخذ جماعات جديدة بالمطالبة باشراكها في الحكم على نحو أو آخر . وفي الوقت نفسه تنطوي على ازمة شرعية وتشكل تهديدا ً لمركز الجماعة الحاكمة وعلى الاخص اذا بدت هذه الاخيرة لاتستجيب الى مطاليب القوى الصاعدة ولاريب ان كل ما يؤدي الى تغيير المجتمع ماديا ً كالتصنيع والتكنولوجيا او اعادة النظر في النظم الزراعية وغير ذلك يؤدي الى تصاعد جماعات اجتماعية تطالب باشراكها في الحكم. (6)
واستنادا ً الى ما تقدم فان المشاركة السياسية تصبح ازمة في حالات هي:
1- ظهور جماعات تطالب باشراكها في الحكم.
2- عدم استجابة الجماعة الحاكمة الى مطاليب القوى الاجتماعية الصاعدة.